responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير المؤلف : الرازي، فخر الدين    الجزء : 16  صفحة : 48
عَنِ الْجِهَادِ أَمْرٌ مُنْكَرٌ، وَلَوْ لَمْ يَكُنِ الْجِهَادُ وَاجِبًا لَمَا كَانَ هَذَا التَّثَاقُلُ مُنْكَرًا، وَلَيْسَ لِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ الْجِهَادُ إِنَّمَا يَجِبُ فِي الْوَقْتِ الَّذِي يُخَافُ هُجُومُ الْكُفَّارِ فِيهِ، لِأَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ مَا كَانَ يَخَافُ هُجُومَ الرُّومِ عَلَيْهِ، وَمَعَ ذَلِكَ فَقَدْ أَوْجَبَ الْجِهَادَ مَعَهُمْ، وَمَنَافِعُ الْجِهَادِ مُسْتَقْصَاةٌ فِي سُورَةِ آلِ عِمْرَانَ، وَأَيْضًا هُوَ وَاجِبٌ عَلَى الْكِفَايَةِ، فَإِذَا قَامَ بِهِ الْبَعْضُ سَقَطَ عَنِ الْبَاقِينَ.
الْمَسْأَلَةُ الخامسة: لقائل أن يقول إن قوله: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا خِطَابٌ مَعَ كُلِّ الْمُؤْمِنِينَ.
ثُمَّ قَالَ: مَا لَكُمْ إِذا قِيلَ لَكُمُ انْفِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الْأَرْضِ وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ كُلَّ الْمُؤْمِنِينَ كَانُوا مُتَثَاقِلِينَ فِي ذَلِكَ التَّكْلِيفِ، وَذَلِكَ التَّثَاقُلُ مَعْصِيَةٌ، وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى إِطْبَاقِ كُلِّ الْأُمَّةِ عَلَى الْمَعْصِيَةِ وَذَلِكَ يَقْدَحُ فِي أَنَّ إِجْمَاعَ الْأُمَّةِ حُجَّةٌ.
الْجَوَابُ: أَنَّ خِطَابَ الْكُلِّ لِإِرَادَةِ الْبَعْضِ مَجَازٌ مَشْهُورٌ فِي الْقُرْآنِ، وَفِي سَائِرِ أَنْوَاعِ الْكَلَامِ كقوله:
إياك أعني واسمعي يا جاره

[سورة التوبة (9) : آية 39]
إِلاَّ تَنْفِرُوا يُعَذِّبْكُمْ عَذاباً أَلِيماً وَيَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ وَلا تَضُرُّوهُ شَيْئاً وَاللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (39)
وَفِي الْآيَةِ مَسَائِلُ:
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى: اعْلَمْ أَنَّهُ تَعَالَى لَمَّا رَغَّبَهُمْ فِي الْآيَةِ الْأُولَى فِي الْجِهَادِ بِنَاءً عَلَى التَّرْغِيبِ فِي ثَوَابِ الْآخِرَةِ، رَغَّبَهُمْ فِي هَذِهِ الْآيَةِ فِي الْجِهَادِ بِنَاءً عَلَى أَنْوَاعٍ أُخَرَ مِنَ الْأُمُورِ الْمُقَوِّيَةِ لِلدَّوَاعِي، وَهِيَ ثَلَاثَةُ أَنْوَاعٍ:
الْأَوَّلُ: قَوْلُهُ تعالى: يُعَذِّبْكُمْ عَذاباً أَلِيماً.
واعلم أن يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ مِنْهُ عَذَابَ الدُّنْيَا، وَأَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ مِنْهُ عَذَابَ الْآخِرَةِ.
وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: اسْتَنْفَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْقَوْمَ فَتَثَاقَلُوا، فَأَمْسَكَ اللَّهُ عَنْهُمُ الْمَطَرَ.
وَقَالَ الْحَسَنُ: اللَّهُ أَعْلَمُ بِالْعَذَابِ الَّذِي كَانَ يَنْزِلُ عَلَيْهِمْ. وَقِيلَ الْمُرَادُ مِنْهُ عَذَابُ الْآخِرَةِ إِذِ الْأَلِيمُ لَا يَلِيقُ إِلَّا بِهِ. وَقِيلَ إِنَّهُ تَهْدِيدٌ بِكُلِّ الْأَقْسَامِ، وَهِيَ عَذَابُ الدُّنْيَا وَعَذَابُ الْآخِرَةِ، وَقَطْعُ مَنَافِعِ الدُّنْيَا وَمَنَافِعِ الْآخِرَةِ. الثَّانِي: قَوْلُهُ: وَيَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ وَالْمُرَادُ تَنْبِيهُهُمْ عَلَى أَنَّهُ تَعَالَى مُتَكَفِّلٌ بِنَصْرِهِ عَلَى أَعْدَائِهِ، فَإِنْ سَارَعُوا مَعَهُ إِلَى الْخُرُوجِ حَصَلَتِ النُّصْرَةُ بِهِمْ، وَإِنْ تَخَلَّفُوا وَقَعَتِ النُّصْرَةُ بِغَيْرِهِمْ، وَحَصَلَ الْعُتْبَى لَهُمْ لِئَلَّا يَتَوَهَّمُوا أَنَّ غَلَبَةَ أَعْدَاءِ الدِّينَ وَعِزَّ الْإِسْلَامِ لَا يَحْصُلُ إِلَّا بِهِمْ، وَلَيْسَ فِي النَّصِّ دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ الْمَعْنَى مِنْهُمْ، وَنَظِيرُهُ قوله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ [الْمَائِدَةِ: 54] ثُمَّ اخْتَلَفَ الْمُفَسِّرُونَ فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ:
هُمُ التَّابِعُونَ وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ: هُمْ أَبْنَاءُ فَارِسَ. وَقَالَ أَبُو رَوْقٍ: هُمْ أَهْلُ الْيَمَنِ، وَهَذِهِ الْوُجُوهُ لَيْسَتْ تَفْسِيرًا لِلْآيَةِ، لِأَنَّ الْآيَةَ لَيْسَ فِيهَا إِشْعَارٌ بِهَا، بَلْ حُمِلَ ذَلِكَ الْكَلَامُ الْمُطْلَقُ عَلَى صُورَةٍ مُعَيَّنَةٍ شَاهَدُوهَا. قَالَ الْأَصَمُّ:
مَعْنَاهُ أَنْ يُخْرِجَهُ مِنْ بَيْنِ أَظْهُرِكُمْ، وَهِيَ الْمَدِينَةُ. قَالَ الْقَاضِي: هَذَا ضَعِيفٌ لِأَنَّ اللَّفْظَ لَا دَلَالَةَ فِيهِ عَلَى أَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ يُنْقَلُ مِنَ الْمَدِينَةِ إِلَى غَيْرِهَا، فَلَا يَمْتَنِعُ أَنْ يُظْهِرَ اللَّهُ فِي الْمَدِينَةِ أَقْوَامًا يُعِينُونَهُ عَلَى الْغَزْوِ، وَلَا يَمْتَنِعُ أَنْ يُعِينَهُ بِأَقْوَامٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ أَيْضًا حَالَ كَوْنِهِ هُنَاكَ، وَالثَّالِثُ: قَوْلُهُ: وَلا تَضُرُّوهُ شَيْئاً وَالْكِنَايَةُ فِي قَوْلِ الْحَسَنِ:
رَاجِعَةٌ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى، أَيْ لَا تَضُرُّوا اللَّهَ لِأَنَّهُ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ، وَفِي قَوْلِ الْبَاقِينَ يَعُودُ إِلَى الرَّسُولِ، أَيْ لَا

اسم الکتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير المؤلف : الرازي، فخر الدين    الجزء : 16  صفحة : 48
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست